وبقى منها حطام أنثى لمنال سالم

موقع أيام نيوز

منزل محسن 
وجد أحد الأشخاص البسطاء يجلس القرفصاء على الطريق فمال عليه وهمس له
بكلمات غير واضحة فأشار له الرجل بيده للجانب وهو يجيبه فشكره عمرو ممتنا وأسرع في خطاه نحو أحد سيارات الأجرة 
وصلت إيثار إلى محطة القطار وبحثت بعينيها الخائفتين عن مكان حجز التذاكر وولجت للداخل وهي تلهث بصوت مسموع 
تحاشت قدر الإمكان التحديق في أوجه المحيطين بها حتى لا يروا في أعينها نظرات الړعب 
قرأت لافتة بيع التذاكر فأسرعت نحوها ومدت يدها القابضة على النقود إليه وهتفت بصوت لاهث 
عاوزة أحجز تذكرة
رفع الموظف رأسه لينظر إليها وسألها بجفاء 
لفين يا ست 
أجابته دون تردد وهي محدقة
فيه 
اسكندرية
رد عليها بفتور وهو يعاود التحديق في الأوراق الموضوعة أمامه 
مافيش مواعيد دلوقتي !
ارتجف جسد إيثار وعضت على شفتها السفلى بتوتر وخشيت أن يفشل مخططها فهداها تفكيرها للجوء إلى أي مكان أخر بعيد عن هنا حتى تفكر فيما ستفعله لاحقا لذا هتفت بتلهف 
طب طب أقرب ميعاد للقطر عشان يتحرك 
رفع الموظف عينيه نحوها وأجابها بإمتعاض 
في طالع كمان نص ساعة على 
هتفت بجدية وهي تضع النقود أمامه 
ماشي احجزلي مكان
طيب القطر هيتحرك من رصيف 3 هو هناك على ايدك اليمين !
أعطاها الموظف تذكرتها فتناولتها منه وحدقت فيها بنظرات زائغة ثم طوتها وتحركت إلى حيث أشار 
هو قد علم من والدته بما صار معها وبالتالي توقع الأسوأ حينما يراها 
قرر في نفسه ألا يتركها له سيصطحبها معه حتى لو استخدم العڼف مع زوجها وسيترك المسائل القانونية لتحل لاحقا ولكن عليه أولا أن يأخذها معه ويعيدها إلى المنزل آمنة فهذا هو حقها عليه بعد تقصيره معها 
لم يحتاج عمرو إلى قرع الجرس ليدخل إلى المنزل فقد كانت البوابة الرئيسية مفتوحة على مصرعيها 
خطى إلى الداخل وهو يتلفت حوله ببطء ليدرس المكان جيدا 
ولكن قطع تأمله صوت أم فتحي 
انت مين يا جدع انت 
استدار برأسه نحوها وسألها بصوت متصلب 
مش ده بيت محسن 
اقتربت منه أم فتحي وسألته مستفهمة 
اه هو انت مين 
رمقها بنظرات قوية قبل أن يجيبها 
أنا أخو مراته إيثار هو فين 
هللت أم فتحي بنبرة عالية 
يا مراحب بأخو الست إيثار
نورت المكان يا أستاذ
رد عليها بإيجاز 
متشكر
تابعت هي قائلة بحماس 
دي الست هاتفرح أوي لما تشوفك وخصوصا بعد ما حبلها نزل !
وقعت كلماتها كالصاعقة فوق رأسه وصاح مدهوشا وقد اتسعت مقلتيه 
نعم
لم يتخيل أن تكون أخته حاملا بل والأفظع أن تخسر جنينها قبل أن يرى النور دون أن يدري السبب 
أكملت أم فتحي بحزن 
عيني عليها رقدت في المشتشفا كام يوم بس هي رجعت تنور بيتها تاني تلاقيه هو اللي اتصل بيك عشان تفرحها وتاخد بخاطرها
كز هو على أسنانه بقوة محاولا التحكم في غضبه وجاهد ليبدو طبيعيا في إنفعالاته أمامها وهتف بصعوبة 
متشكر يا ست هو فينه 
أدارت رأسها للخلف وهي تجيبه 
سي محسن أعد فوق !
ثم سارت للأمام وأشارت بيدها وهي تهتف بسعادة 
اتفضل يا سي الأستاذ يا مرحب بيك المكان نور !
كور عمرو قبضة يده وضغط على أصابعه بقسۏة وتوعد في نفسه بنبرة عدائية وهو يتحرك خلفها 
وقعتك سودة معايا يا محسن لو أختى جرالها حاجة بسببك !!
جلست إيثار على المقعد الخاص بها بداخل عربة القطار غير مصدقة أنها أصبحت على متنه وأنها على وشك الرحيل من هنا 
ارتعش جسدها من فرط التوتر وتجنبت الجلوس بجوار النافذة كي لا يراها محسن إن اكتشف هروبها من منزله 
عضت على أناملها پخوف وزاغت أبصارها وهي تطالع بحذر أوجه الجالسين على مقربة منها 
لم تفارقها ذكرياتها الموجعة وتجسدت بين الفنية والأخرى في مخيلتها لتزيد من هلعها 
وبصعوبة بالغة قاومت رغبتها في البكاء 
فالكل أساء إليها والكل تخلى عنها في أحلك أوقاتها وأكثرها احتياجا 
أخفضت يدها لتضعها على بطنها فمازالت ذكرى خسارتها تؤلمها 
هي لم تخض تجربة الحمل لكنها حزنت وبشدة لفقدان جزء منها 
انتبهت إلى صوت صافرة القطار وهي تصدح في الأجواء فتصلبت في مقعدها وتشبثت أكثر بمسنديه وحبست أنفاسها مترقبة 
بدأ القطار في التحرك رويدا رويدا ومع كل حركة كانت دقات قلبها تتسارع حتى باتت في سبق معه 
تنفست الصعداء بإبتعاد القطار عن محطته السابقة فإرتخى جسدها المتشنج واسترخت إلى حد ما على مقعدها 
تفاجئت أمل بدخول أم فتحي وبصحبتها ذلك الرجل الغريب فأسرعت بضبط حجاب رأسها وتساءلت بجدية وهي تنظر إليه بتفحص 
ايوه انت عاوز مين 
اجابتها أم فتحي بدلا منه 
ده سي الأستاذ أخو الست إيثار
اتسعت حدقتي أمل في صدمة واضحة وفغرت فمها مشدوهة من رؤيته وهمست بتلعثم 
آآ اخوها
ابتلعت ريقها بتوجس وحاولت إستيعاب تلك الصدمة بسرعة لتتصرف بعقلانية دون أن تثير أي جلبة فوجهت أنظارها إلى أم فتحي وأردفت قائلة بهدوء 
روحي إنتي يا أم فتحي ! أنا
هارحب بالضيف
ردت عليها الأخيرة بتحمس 
أوامرك يا ست أمل
ثم
تحركت مبتعدة لتترك الاثنين بمفردهما 
هدر عمرو بإنفعال وقد أظلم وجهه 
أختي فين 
اقتربت منه أمل وهمست بإرتعاد وهي تضع يدها على فمها 
ششش وطي صوتك
صاح پغضب وهو يلوح بيده في الهواء 
مش هاوطي صوتي ومش هاهدى أنا جاي هنا عشان أختي !
توسلت له قائلة پخوف وهي تتلفت حولها 
من فضلك محسن نايم ولو صحى ممكن يعمل مشاكل أنا هاخليك تشوف أختك بس اهدى !
لوح بذراعه پغضب وهو يصيح بشراسة 
وأنا عاوزه يصحى خليه يقوم يكلمني اللي عامل راجل على أختي !
ارتعدت فرائصها وهمست بفزع 
إنت إنت كده ناوي ټأذي أختك !
رمقها عمرو بنظرات ساخطة قبل أن يسألها بقسۏة 
وإنتي أصلا مين عشان تكلمي معايا !
ابتلعت ريقها بتوجس فبدلا من الزهو بكونها زوجة صاحب المنزل كانت تشعر بالخزي منه ترددت في اخباره بهويتها ولكن لا مفر من الهروب من إجابته لذا بصوت أسف ردت عليه 
أنا أنا أمل مراته الأولى !
اتسعت مقلتيه مصډوما وارتفع حاجبيه للأعلى في ذهول كبير فمحسن قد أبلغه عن ۏفاة زوجته فكيف تكون من الأحياء وهتف بعدم تصديق وهو ينظر لها متفحصا 
مين مراته إنتي إنتي مش كنتي مېتة !!
هزت رأسها نافية وأجابت بتلعثم وقد تشكل الخزي على نظراتها 
لأ هو هو كدب عليك أنا أنا آآ 
قاطعها مطلقا سبة عڼيفة 
الواطي ابن ال 
لوحت بكفها نافية وهي تقول بصوت مخټنق 
أنا ماليش ذنب
أدرك عمرو أنها على صواب فما ذنب معاتبها أو حتى ټعنيفها فصاحب الوزر الأقبح هو من ظن أنه رفيقه وخدعه وبدى هو كالساذج المغفل أمامه 
وپغضب أشرس صاح بها 
ناديلي على المحروس أنا كلامي مش معاكي مع البأف اللي سلمته أختي وجوزتهاله !
أشارت بأصابعها قائلة برجاء 
يا أستاذ اسمعني
لم يمهلها الفرصة بل تحرك ركضا في اتجاه الدرج وصعد عليه وهو ېصرخ بإهتياج 
يا محسن ايثار إنتي فين 
لحقت به وهي تتوسله
استنى هنا يا أستاذ
صاح عمرو بنبرة اكثر جنونا 
إيثار !!!!!
ووصل إلى الطابق العلوي وبدأ يبحث عن أخته في باقي أرجاء المنزل 
أفاق محسن من
نومه 
بقى تضحك عليا وتستغفلني وتخلني أجوزك اختي وانت طلعت واطي !
تأوه محسن من الآلم وقاوم قدر إستطاعته
دفعه عمرو من صدره وصاح پجنون 
صح أنا غلطت وجاي النهاردة عشان أصلح غلطي !
سأله محسن بريبة وهو يعتدل في وقفته 
قصدك ايه 
وصړخ من بين أسنانه بعصبية 
لا عندك اختك مش طالعة من بيتي إلا على چثتي دي مراتي وأنا حر في التصرف معاها !
رد عليه عمرو 
مش هاسيبهالك
لم يكن محسن بالشخص الهين الذي سيسقط بل قاوم حتى الرمق الأخير نوبة جنونه 
وما إن تمكن عمرو من طرحه أرضا حتى ركض إلى خارج الغرفة صارخا بإهتياج 
ايثار انتي فين 
حاول محسن إمساكه وقبض على ذراعه وأعاق حركته وهو يقول 
استنى مش سايبك !
لطمت أمل على صدغيها وهي تصيح بهلع 
إلحق يا محسن إلحق !!!
انتبه لها الاثنين فأكملت بفزع وقد زاغت أبصارها 
إيثار مش موجودة في أي حتة في البيت
صدم كلاهما مما قالته وحل الصمت لثوان قبل أن يقطعه محسن صارخا بجموح 
انتي بتقولي ايه 
انفعل عمرو متساءلا بحدة 
اختي فين 
تلعثمت وهي تجيبهما بنبرة مرتجفة 
ب باين آآ إنها إنها هربت !
لم يقتنع عمرو بما قالته فقد ظن أنها خدعة مفتعلة منهما
لذا لوح بذراعه پغضب وهو يقول 
ده ملعوب عاملينوه عليا أنتو الاتنين !
هزت أمل رأسها نافية وهي تقول پخوف 
لا والله هي فعلا مش موجودة
اختنق صوتها وجحظت عيناها من فرط الخۏف وأجابته
مجتش جمبها يا محسن !
أرخى قبضته عنها ليمسك بطرف ذقنها واعتصره بقوة وهو يكمل بإهتياج 
شكلك إنتي اللي هربتيها من هنا
هزت عيناها نافية وهمست بصوت متحشرج 
م محصلش والله ما عملتها
صړخ فيه عمرو من الخلف بنبرة عدائية 
قسما بالله يا محسن لأندمك على كل لحظة أذيت فيها أختي ! ومش هاسيبك هاتدفع تمن اللي عملته في أختي غالي
الټفت محسن برأسه نحوه ولم يفلت أمل من قبضته ورد عليه بتحد سافر 
هي مراتي وانت ملكش حكم عليها وهاجيبها تاني هنا إن شاء الله بحكم الطاعة !
هدر فيه عمرو بانفعال 
مش هاتلحق لأني هاطلقها منك وإن حكمت هاتخلعك وأنا وإنت والمحاكم بينا !
ثم تركه واندفع نحو الدرج ليتجه بعدها إلى باب منزله ثم صفقه خلفه
پعنف 
ترجلت إيثار من عربة القطار وسارت بخطوات سريعة نحو المخرج 
بحثت بعينيها عن وسيلة مواصلات تقلها إلى محافظة الإسكندرية خاصة أن المسافة لم تكن بعيدة 
فوجدت منطقة خاصة بالحافلات فحجزت مقعدا لها في الخلف بعد أن استقلت إحداهن 
استندت بيدها على النافذة وظلت محدقة في الطريق أمامها 
لمعت عيناها وهي تقاوم سيل ذكرياتها المريرة 
بحثت في طيات عقلها عن أي ذكرى سعيدة لتهون بها على نفسها لكن للأسف لم تجد 
ظلت خلال رحلة عودتها شاردة صامتة في حالة وجوم واضحة
حتى توقفت الحافلة في الإسكندرية فردت إليها روحها 
تفقدت المال المتبقي معها لتستقل أخر وسيلة مواصلات لتعود إلى منزلها 
رفعت تحية جبهتها عن سجادة الصلاة وتهدل كتفيها في خزي ثم حدقت في السماء ببصرها وتضرعت للمولى قائلة بخشوع وهي تبكي 
رجعالي يا رب احفظهالي من كل سوء يا رب أنا أمتك الغلبانة ماليش غيرك يا رب أشكيله نجيها من الهم اللي هي فيه ردهالي سالمة غانمة يا رب إنت السميع البصير يا مجيب الدعوات
قرب البعيد يا رب !
قاطع دعائها الباكي صوت قرع الجرس فالتفتت برأسها للخلف وشعرت بخفقان قوي في قلبها 
استشعرت بروحها أن المولى قد أجاب دعائها فنهضت على عجالة من مكانها وركضت مسرعة نحوه 
بيد مرتعشة أدارت المقبض وفتحته لتجد صغيرتها أمامها 
شهقت مصډومة من رؤيتها على تلك الحالة المفزعة 
وهتفت بعدم تصديق 
بنتي إيثار !
ياه
يا بنتي ! آه يا ضنايا !
استكان جسد إيثار في أحضان أمها وشعرت أنها وجدت الملجأ من كل الشرور المحيطة بها في صدرها الحنون فاستسلمت لشعورها بالأمان وفقدت وعيها بين ذراعيها 
عودة للوقت الحالي 
فتحت إيثار عينيها الذابلتين فجأة لتأتي بحجابها الذي تطاير عن رأسها للوراء علي أثر الهواء ثم استنشقت رائحة البحر ليتخلل صدرها وزفرته على مهل وهي تتنهد بعمق 
توجهت نحو المقعد الممتد الطول ثم جلست عليه واضعة نظارتها الشمسية على عينيها لتحجب عنها ضوء الشمس فقد بات ذلك الضوء
تم نسخ الرابط